اقتصاد تونس عالق بين نمو إيجابي معلن وواقع متعثر

اقتصاد تونس عالق بين نمو إيجابي معلن وواقع متعثر

 

 

 

سجل الاقتصاد التونسي نمواً بنسبة 2.4 في المئة خلال النصف الأول من العام الحالي، وفق ما كشف عنه المعهد الوطني للإحصاء، والذي أشار إلى انخفاض نسبة البطالة لتصل إلى 15.3 في المئة خلال الربع الثاني من العام الحالي، مقابل 15.7 في المئة خلال الربع الأول.

عرف النشاط الاقتصادي نمواً في حدود 3.2 في المئة خلال الربع الثاني من العام الحالي، مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2024، وارتفع بنسبة 1.8 في المئة بالنظر إلى حجمه خلال الربع الأول من عام 2025.وسجل الربع الأول تراجعاً بنسبة 0.2 في المئة مقارنة بالربع الأخير من عام 2024، ونمواً بنسبة 1.6 في المئة بحساب الانزلاق السنوي.وتتوقع الحكومة التونسية نمواً في حدود 3.2 في المئة لكامل عام 2025، في حين تنخفض توقعات البنك الدولي إلى 1.9 في المئة وصندوق النقد الدولي إلى 1.4 في المئة، بعدما كانت في حدود 1.6 في المئة.وخفضت وكالة التصنيف الائتماني "فيتش" توقعاتها لنمو الاقتصاد التونسي خلال عامي 2025 و2026، متوقعة أن يصل النمو هذا العام إلى واحد في المئة فقط بدلاً من 1.2 في المئة.

 

قطاعات عززت الأداء

 

وكشفت أحدث المؤشرات عن تطور إيجابي في أداء الزراعة التي سجلت نمواً بنسبة 9.8 في المئة خلال الربع الثاني من العام، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024. وشارك القطاع بـ0.84 نقطة مئوية في نسبة النمو المسجلة.

وتواصلت انتعاشة قطاع الخدمات الذي عرف ارتفاعاً بـ1.9 في المئة، وكانت مساهمته أعلى في نسبة النمو الإجمالية بـ1.21 نقطة مئوية. ويفسر هذا الأداء بتطور القيمة المضافة في قطاعات الفنادق والمطاعم والمقاهي بسبعة في المئة، والنقل بثلاثة في المئة، والمعلوماتية والاتصال بـ1.5 في المئة.

وعرفت القيمة المضافة للصناعات ارتفاعاً بنسبة 3.4 في المئة بنمو الصناعات المعملية بنسبة 3.9 في المئة، بفضل الصناعات الكيماوية والميكانيكية والكهربائية والمنتجات المعدنية بنسب 10.1 في المئة و9.6 في المئة و7.7 في المئة على التوالي.

وعلى رغم المصاعب التي يشهدها المجال الطاقي، سجلت قطاعات المناجم والماء والتطهير ومعالجة النفايات ارتفاعاً بـ2.1 في المئة، بفضل تطور المناجم بـ39.5 في المئة.وبدا قطاع البناء والتشييد الأفضل بتطور نسبته 9.6 في المئة، وكشف الإحصاء عن زيادة في حجم الطلب الداخلي بنسبة 3.3 في المئة، وهو المتكون من الاستهلاك وتكوين رؤوس الأموال، مقارنة بالربع الثاني من عام 2024، مسهماً بـ3.59 نقطة مئوية في النمو الإجمالي.على النقيض، جاءت المبادلات الخارجية بنمو سلبي 0.43 نقطة مئوية، بعدما زادت الصادرات من السلع والخدمات بنسبة 9.6 في المئة والواردات بـ8.9 في المئة.

 

تعثر الاستهلاك والتصدير

 

وعبر الباحث في الاقتصاد حسين الرحيلي، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، عن غرابته من عدم تعبير الإحصاءات المذكورة عن الواقع الاقتصادي والمالي الأقرب إلى الانكماش في تونس، خلال وقت تقدمت مؤشرات التضخم التي تتراجع بصفة بطيئة وبصورة واضحة عن واقع الاستهلاك المنخفض.

أضاف "كأحد أهم محركات الاقتصاد يشهد الاستهلاك تراجعاً مدفوعاً بارتفاع الأسعار التي ظلت تتصاعد شهرياً على رغم الانخفاض الضئيل في نسق الارتفاع وهو 5.3 في المئة خلال يوليو (تموز) الماضي، مما يتسبب في تعثر الطلب بالتالي تقلص الإنتاج، وزاد الاعتماد أكثر على التوريد، ويمثل تفاقم عجز الميزان التجاري أفضل دليل على تزايد نسق الواردات ببلوغه مستويات قياسية، وبلغ 12 مليار دينار (4.13 مليار دولار) خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، مما يجسد نشاطاً بطيئاً معاكساً لمؤشرات النمو المذكورة، وكحصيلة لتعطل محركين أساسيين هما الاستهلاك والاستثمار".

وتابع "على رغم النمو الذي شهده القطاع الفلاحي والخدمات لكن التأثير بعيد كل البعد من الانتعاش، في انتظار ما سيكشف عنه النصف الثاني من العام"، داعياً إلى التساؤل حول النسبة الحقيقية للبطالة في تونس، بحكم الاعتماد على أعداد المسجلين في مكاتب التشغيل الرسمية بحثاً عن العمل، وهي أرقام رسمية لكنها لا تعكس العدد الحقيقي للعاطلين، وغالبهم من غير المسجلين في تلك المكاتب".

وأشار إلى بلوغ عدد العاطلين من العمل خلال الربع الثاني من عام 2025 نحو 651.1 ألف مقابل 664.5 ألف، بحسب معهد الإحصاء، بالاعتماد على مكاتب التشغيل وهي أرقام غير ضئيلة، فيما يكشف الواقع عن وضعية معاكسة تصاعدية أنتجتها قوانين جديدة مثل قانون العمل الذي تسبب في تسريح أعداد كبيرة من العمال على خلفية إجبارية ترسيمهم، وكذلك إلغاء المناولة، وهي سياسات أنتجت البطالة الفنية.

أما المحلل الاقتصادي حاسم كمون فينبه إلى عدم تعبير المؤشرات المقدمة على حقيقة التصدير الذي يمثل أحد أعمدة النمو، إذ تراجع نسق الصادرات الزراعية خلال الأشهر الأخيرة على سبيل المثال، ولا تعبر نسبة نمو القطاع الفلاحي عن واقع صادرات زيت الزيتون المحورية التي شهدت انخفاضاً بنسبة 30 في المئة من حيث القيمة مقارنة بالعام المنقضي، وكذلك التمور التي تشهد نفس المردود.

 

Image