اتهمت سائحة بريطانية أحد العاملين بمركز الرياضات الترفيهية بمدينة سوسة التونسية بالتحرش بها قبل أن تغادر تونس وتطالب بتعويض مالي.
صرحت ميشيل ويلسون بأنها أبلغت الشرطة التونسية والسلطات البريطانية وشركة التأمين الخاصة بالحادثة، فيما تحقق شركة "إيزي جيت" التي حجزت ويلسون الرحلة معها في ذلك بعدما روت أنها كانت في جولة بمظلة بحرية طائرة (باراشوت) رفقة المشغل بالنادي المكلف المظلات، وقالت إن المرافق لامسها بطريقة غير لائقة أثناء رحلة الطيران، مما دفعها إلى رفع الشكوى.
وعبرت شركة "إيزي جيت" عن أسفها للواقعة، مذكرة أن سلامة ورفاهية عملائها تمثل أولوية للمؤسسة، وجاء في بيان لها، "نحن مستمرون في دعم العميلة ويلسون ونتعاون من كثب مع شركائنا في الفندق ومركز الرياضات المائية للتحقيق في الحادثة".
حوادث متواترة متشابهة
وقوبلت الحادثة باستهجان واسع في تونس أول الأمر فقد شكك مسؤولون محليون في هذه الرواية للأحداث واعتبروا أن شكوكاً تحوم حول التفاصيل التي وردت على لسان السائحة ودعوا إلى التثبت فيها. ورجحوا أن القضية تأتي ضمن جملة من عمليات الابتزاز التي ما فتئ السياح يعتمدونها للحصول على تعويضات مادية بعد عودتهم من رحلاتهم، وأضحت هذه الممارسات رائجة في الأعوام الأخيرة، بينما تتمثل خطورة هذه القضايا في توظيفها من خلال الوجهات السياحية المنافسة، إذ تستغل من قبل منافسي البلدان التي جدت فيها، وهي الوجهات السياحية في شمال أفريقيا المتصدرة للترتيب من حيث الطلب في القارة.
وتواترت حوادث مشابهة في كل من مصر وتونس والمغرب في الأعوام الأخيرة ورافقتها ضجة إعلامية واسعة في أوروبا ربطت بين هذه المستجدات الفردية وجودة الخدمات السياحية المقدمة.
ولا تزال الذاكرة تحتفظ بالفيديو الذي نشرته سائحة أجنبية زارت مصر وقررت توثيق ما وصفته "بحجم التحرش الذي تعرضت له أثناء وجودها هناك"، مما أثار جدلاً واسعاً حولها في وقت لم يظهر فيه الفيديو الذي صور بحرفية ملحوظة بشوارع القاهرة الممارسات الخادشة المزعومة، بينما انتشر على أوسع نطاق بالشبكات الاجتماعية.
ثمة أيضاً عديد من القضايا المرفوعة في الأعوام الأخيرة التي تضج بها المحاكم المصرية وتعلقت جميعها باتهامات بالتحرش.
وكانت إحدى بطلاتها السائحة الصينية التي اتهمت سائق التاكسي في القاهرة بالتحرش وقدمت فيديو يوثق حوارها معه باللغة الصينية باعتماد تطبيق ذكي. وجدت حوادث مماثلة في المغرب انطلاقاً من السائحة الألمانية سوزي كروز، وهي مؤثرة تحدثت عما وصفته بالتحرش في شوارع شفشاون وأحدثت ضجة في هذا الصدد بحكم عدد متابعيها على الشبكات الاجتماعية، وصولاً إلى السائحة الفرنسية التي اشتكت من التحرش ومحاولة تقبيلها بشاطئ الصويرة في المغرب منذ شهر، مروراً بالمؤثرة الأميركية التي وثقت ذلك من خلال فيديو تركيز كاميرا بغرض تصوير الحمام بأحد بيوت الضيافة بمدينة مراكش وفق روايتها، وانتشر الفيديو سريعاً على "يوتيوب" في الآونة الأخيرة من دون التحقيق في صدقيته.
قوبلت الاتهامات بشقين من التفاعلات اختلفت بين الاستهجان من جهة واتهام السائحات بالسعي إلى الحصول على تعويضات مادية عن الرحلات أو قيادة حملات تشويه ضد الوجهات السياحية المذكورة، أما الثابت فهو الانعكاسات المباشرة على سمعة أداء القطاع السياحي بتلك البلدان على خلفية التغطية الإعلامية الواسعة بوسائل الإعلام الأوروبية لهذا الصنف من الحوادث واتخاذها كحوادث مؤكدة واعتماد الرواية الأحادية المقدمة من قبل السائحات المقدمات لدعاوى من دون الأطراف المقابلة.
حمى التعويضات
بإمكان السائح الحصول على تعويض من شركة سياحية بعد رحلة له، ويشترط لذلك توثيق جميع المشكلات التي واجهها خلال الرحلة، ثم تقديم شكوى رسمية للشركة معززة بالأدلة، لكن انتشرت الادعاءات الكاذبة بالتسمم الغذائي والتعرض للتحرش والمضايقات وأضحت أكثر عمليات الاحتيال المثيرة للقلق لدى الناشطين في القطاع السياحي.
وفي رده على الاتهامات الموجهة من السائحة قال الكاتب العام بغرفة القواعد البحرية للتنشيط السياحي بسوسة كريم النابلي إن الشاكية أنهت جولتها البحرية التي لم تزد على 4 دقائق من دون تقديم شكوى، بل طلبت من صديقتها خوض التجربة التي قامت بدورها بالصعود والتعبير عن إعجابها بالطيران، ومنحت المرافق في المظلة "إكرامية" (بقشيش)، ثم حصل إشكال مختلف تماماً واحتجت ميشيل ويلسون عن عدم تمكين ابنها من وقت أطول لسياقة الدراجة المائية، واتصلت بالمسؤولة على القاعدة البحرية وعبرت عن غضبها جراء ما وقع مع ابنها، لكن بعد ذلك غيرت محتوى الشكوى وادعت تعرضها للتحرش الجنسي من قبل مرافقها على المظلة الهوائية، وأعلمت الدليلة السياحية إداراتها والتي اتصلت بالوحدات الأمنية وقدمت شكوى.
وأضاف "السائحة البريطانية رفضت الحضور لدى استدعائها للمكافحة مع الشخص المعني، واكتفت بمكالمة هاتفية جمعتها بالدليلة السياحية خلال التحقيق، طالبت فيها بتقديم تعويض لإقامتها في الفندق علماً أنها غادرته بعد 4 أيام من الحادثة، ثم اتصلت بوسائل الإعلام البريطانية، ونشرت رواية تعرضها للتحرش والاعتداء الجنسي حسب ادعائها، وطالبت بالتعويض".
خسائر فادحة
صنف المتخصص في المجال السياحي والرئيس السابق للجامعة التونسية لوكالات الأسفار جابر بن عطوش الحادثة ضمن البضاعة الرائجة في عالم الرحلات السياحية في العالم برمته، وقال لـ"اندبندنت عربية" إن عديداً من السياح يعمدون إلى رفع شكاوى للحصول على تعويضات مالية واسترجاع المصاريف، بل يتحصلون على منح مختلفة القيمة، إذ يقدمون شكاوى بعد التمتع بالرحلة ويسترجعون بمقتضاها الكلفة كافة ومنحة، ويلاحظ خضوع الفنادق ووكالات الأسفار والمطاعم لهذا الابتزاز في غالب الحالات مدفوعين بأخطار تلطيخ سمعة مؤسساتهم حتى في حال عدم تقديم إثباتات عن تجاوزات أو ضعفها، إذ يتعرضون لتهديدات في هذا الصدد ويتصرفون على أساس ما هو رائج وهو نشر وتصديق رواية السائح وعدم التعامل مع التزامات المؤسسات الفندقية وتقديمها لقرائن البراءة.
وتابع قائلاً "هذا ما يحدث في جميع البلدان المجاورة، بخاصة المغرب ومصر. ويتزود السياح قبل انطلاق الرحلات إلى دليل من وكالات الأسفار والتأمينات الخاصة بهم يقدم لهم قائمة بالوضعيات أو التجاوزات التي تمكنهم التزود في حال حدوثها بتعويضات مالية أو استرجاع قيمة الرحلة. وهي متعددة بين التسمم الغذائي أو العواصف أو عدم التمتع بالخدمات المطابقة لتصنيف الرحلة أو التأخير. وعلى سبيل المثال يتحصل السائح على تعويض يصل إلى 200 دولار من وكالة الأسفار التي تنقل المسافرين من المطار إلى الفندق في حال رفع شكوى بسبب التأخير أو انعدام جودة الخدمات على الحافلة. والحال أن وكالات الأسفار تتحصل على 4 دولارات مقابل السائح الواحد، ما يساوي 120 دولاراً للرحلة، ما يشير إلى حجم الخسائر التي تصل إلى ألف دولار في حال تقديم 5 سياح شكاوى للحصول على تعويض".
أما بخصوص قضية السائحة الإنجليزية في تونس فيضيف "هناك فرضية أولى أن المرافق بالباراشوت تصرف بعفوية اعتبرتها تجاوزاً، أما الفرضية الثانية، وهي الأرجح، أنها استغلت الرحلة الجوية لاسترجاع مصاريف رحلتها والحصول على تعويض مالي مهم". واستدل بن عطوش على ذلك بطريقة تقديم الشكوى التي طالبت بالتعويض المادي بطريقة مباشرة، مما يشير إلى دراية كاملة بهذه التراتيب والإجراءات.
كانت السائحة ميشيل ويلسون صرحت مباشرة بعد عودتها إلى بريطانيا "بأن هذه الرحلة كلفتني 6 آلاف يورو (7 آلاف دولار) ولم تكن في مستوى هذا السعر وخسرت أموالي".
وأضاف بن عطوش أن الانطلاق مباشرة في تراتيب التعويض والاتصال بشركة الرحلات والتأمينات يشير إلى رغبة مسبقة ولا ينم على صدمة عاطفية، إذ ظلت تتحدث عن الاسترجاع والقيمة المادية، وهذا ما كررته في اللقاءات الصحافية المتتالية، مما اعتبره بن عطوش ابتزازاً واضحاً وإشارة إلى تعمد استغلال هذه القوانين من قبل عملاء يفتقرون إلى النزاهة.
وعن التغطية الإعلامية الواسعة التي حظيت بها القضية دعا المتحدث إلى التدقيق في اللوبيات التي تقف وراءها قائلاً "هي اللوبيات التي تمثل المنافسين للسوق التونسية بالبحر المتوسط، والذين ضاقوا ذرعاً بمنافستها كوجهة بحرية مطلوبة، حين تعاني الوجهات الأوروبية انعكاسات التضخم وارتفاع الأسعار وتراجع الإقبال.
وتستغل هذه الحوادث التي تغيب فيها الإثباتات لمحاربة الأسواق المنافسة مثل مصر وتونس والمغرب، وبصفة أقل تركيا واليونان. وتستثمر عمليات الابتزاز الواضحة وتتحول إلى حملات تشويه. وتستثير النظرة النمطية إلى طبيعة المجتمعات العربية والشمال أفريقية لتقوم بإسقاطات غير بريئة بهدف ضرب هذه الأسواق. وهي تصنف ضمن المنافسة غير الشريفة".
شهد النصف الأول من عام 2025 نمواً ملحوظاً في عدد الوافدين إلى البلدان العربية بشمال أفريقيا، واستقبلت كل من المغرب ومصر وتونس مجتمعة 22 مليون سائح، بزيادة قدرها 18.28 في المئة مقارنة بالنصف الأول من سنة 2024، وأضحت الوجهات العربية منافسة شرسة للمحطات السياحية التقليدية في شمال المتوسط.
عن اندبندنت عربية
بقلم انتصار عنتر